Skip to Content Skip to Mainnavigation Skip to Meta Navigation Skip to Footer
Skip to Content Skip to Mainnavigation Skip to Meta Navigation Skip to Footer

المنظومة التربوية قناة عبور صوب مجتمع يقبل الاختلاف

تعد المنظومة التعليمية من بين الأسس المعتمدة في بناء صرح الدولة الحديثة، لكونها رافعة أساسية للتنمية، ولدورها الحاسم في توجيه الناشئة وفق الرؤى الإستراتيجية المستقبلية للدولة، في مختلف المجالات، ولما توفره من مسارات تعليمية ومهنية مناسبة، من شأنها توفير موارد بشرية مؤهلة علميا ومعرفيا، كما تشكل دعامة معززة للاندماج الاجتماعي والتواصل بين الأفراد من مختلف الخلفيات الثقافية والاجتماعية، ما يعزز الوحدة داخل المجتمع.

© Pixabay

(Pixabay)

بعد الإعاقة في المنظومة التعليمية المغربية:

تلعب المنظومة التعليمية المغربية دورا مهما في تقليص الفوارق الاجتماعية. ورغم الجهود المبذولة، لا زلنا نلاحظ ضعفا في تفعيل هذا الدور، لاسيما عندما ينصب الحديث عن تمدرس الأشخاص ذوي الإعاقة. ويعود ذلك إلى مجموعة من الأسباب، منها المناهج التعليمية المقدمة لفائدة المتمدرسين، والتي لا تفي منهجيا وبيداغوجيا بإيصال المحتوى، مما يجعلها قاصرة على بلوغ أهدافها، بغض النظر عن البنية الغير ولوجة للمؤسسات التعليمية، وهو ما جعل المنظومة التعليمية تتبنى أنماط تربوية مختلفة، ورغم ما قدمته وتقدمه هاته المبادرات في تمدرس وتكوين وتأهيل الأشخاص ذوي الإعاقة وتمكينهم إلا أن هاته الأنماط لها مالها من تكريس للصور النمطية القائمة على التمييز، ما يحول دون تحقيق الاندماج والمشاركة الكاملة داخل المجتمع لدى هاته الفئة، ونخص بالذكر هنا:

  1. التربية الخاصة : وهي نمط  تعليمي يتبنى المقاربة الطبية، اعتمده المغرب منذ بداية الستينيات، يقوم على عزل ذوي الإعاقة عن الفضاء العمومي للتعليم، ووضعهم داخل فضاء خاص بمعايير خاصة تستجيب لاحتياجات  الفئة المستهدفة بعد تصنيفها، والتي من شأنها تمكينهم معرفيا وعلميا، زيادة فرص نجاحهم مدرسيا. إلا أن هذا النمط التعليمي يفتقر لآليات الاندماج الاجتماعي، مما يؤدي للفصل الاجتماعي وانعزالهم نتيجة عزلهم عن مجتمعاتهم خلال مسارهم  الدراسي وعن الفضاء المدرسي نفسه (مثل الأنشطة الموازية)، بالإضافة لمحدودية التوجيه داخل هذا النمط التعليمي، والتي لا ترقى لمسايرة تطور المجتمعات وسوق الشغل...

  2. أقسام الإدماج المدرسي  :وهي مقاربة إدماجية اعتمدتها منظومة التربية والتعليم بدايات التسعينيات، تروم خلق أقسام خاصة داخل المؤسسات التعليمية النظامية، حيث يتم تدريس الأطفال ذوي الإعاقة في بيئة تعليمية محفزة، تضمن تلبية احتياجاتهم بشكل أفضل، مع إمكانية المشاركة في بعض الأنشطة، ما يضمن التواصل مع الأطفال الآخرين، بغية تعزيز الاندماج الاجتماعي. ويعاب على هذا النمط التعليمي إذا ما تجاوزنا الحديث عن البنية الغير ولوجة للمؤسسات التعليمية وافتقار حجرات الدرس للمعدات والموارد البشرية المؤهلة، وإذكاء الوعي لدى التلاميذ من غير المعاقين بقبول الاختلاف، فإننا نصطدم بتكريس العزل والتمييز،  ما يزيد تفاقم الفهم الخاطئ للأفراد بأن وجود حجرات الدرس الخاصة يعني أن التلاميذ ذوي الإعاقة لا يمكنهم التفاعل بنجاح في البيئة الدراسية العامة، وبالتالي فإننا نكرس بهذا مجموعة من الصور النمطية عن الإعاقة والمعاقين، ولعل هذا العزل يمنع كذلك التلاميذ من ذوي الإعاقة من التعرض للتحديات الحقيقية في البيئة التعليمية، ما يقلص فرص التعلم التفاعلي مع أقرانهم، وبالتالي يكون التأثير مباشر على مهارات التواصل الاجتماعي.

 

  1. الأقسام الدامجة : وهو نمط تعليمي يروم الجمع بين التلاميذ من ذوي الإعاقة وغير المعاقين داخل نفس الفصل الدراسي، بغاية خلق فضاء يعزز التفاعل الاجتماعي بين التلاميذ ذوي الإعاقة وغير المعاقين، مما يساهم في تعزيز مهارات التواصل وفهم الاحتياجات المختلفة. ويعد هذا النمط التعليمي الأقرب لتحقيق الاندماج الاجتماعي، على اعتبار أن التواجد داخل بيئة تعليمية مشتركة والتعرض للتحديات الحقيقية للفصل الدراسي، يصقل أساليب التواصل داخل الفصل الدراسي، ما من شأنه تعزيز الفهم المتبادل ومشاركة تجاربهم ومعرفتهم الفردية، كما أن التواجد داخل هذا الصنف من أقسام الدرس يوفر فرصة لتحفيز التلاميذ من ذوي الإعاقة على بذل أقصى إمكانياتهم لمسايرة أقرانهم. إلا أن ما تم رصده أن هذا النمط التعليمي يظل مقتصرا وبالخصوص على حاملي الإعاقات الخفيفة والمتوسطة الذين بإمكانهم التفاعل بشكل يسير داخل الفصل الدراسي، لكون بعض الإعاقات يحتاجون لاهتمام خاص، وطرق تدريس مختلفة، مما قد يجعل من الصعب تلبية احتياجاتهم، بالمقارنة مع ما يقدمه هذا النمط التعليمي من إمكانيات لوجستيكية ومعرفية.

وتتويجا للمجهودات المبذولة وتداركا لما تنطوي عليه الأنماط التعليمية السالف ذكرها من عيوب تمس بعد التأهيل الاجتماعي، وجعل المنظومة التربوية قناة عبور نحو مجتمع دامج يقبل الاختلاف، واعتماد الفضاء المدرسي كدعامة لتغيير الصور النمطية عن الإعاقة داخل المجتمع. قد عملت الوزارة الوصية على ترسيخ مبدأ التعليم الجيد والمنصف والشامل من خلال البرنامج الوطني للتربية الدامجة، والذي يعد رافعة أساسية من المشروع الإصلاحي لمنظومة التعليم الذي تبناه المغرب للفترة ما بين 2016-2030، والتي اتخذت شعارا لها لن نترك أي طفل خلفنا. ويعد البرنامج الوطني للتربية الدامجة مستجد تعرفه منظومة التربية والتكوين بالمغرب والذي تبناه المغرب على غرار المجتمع الدولي بتعاون مع منظمة اليونيسيف، إعمالا لمضامين ومقتضيات الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان التي صادق عليها المغرب والتشريعات الوطنية الضامنة للحقوق الأساسية للأشخاص ذوي الإعاقة.

وقد عرفت منظمة اليونسكو التربية الدامجة بأنها تربية مبنية على حق الجميع في تربية ذات جودة تستجيب لحاجات التعلم الأساسية وتثري وجود المتعلمين، وتتمحور بالخصوص حول الفئات الهشة،. فهي تحاول أن تطور بالكامل كل فرد، ولذلك يكون الهدف النهائي للتربية الدامجة ذات الجودة هو إنهاء جميع أشكال التمييز وتعزيز التماسك الاجتماعي.   

وهنا لا يمكننا الحديث عن تربية دامجة إلا بالتأكيد على الاعتراف بضرورة تغيير القناعات والسياسات والممارسات التربوية داخل المؤسسات التعليمية، وذلك من أجل الاستجابة للاحتياجات التربوية لجميع المتعلمين،  عن طريق دمج عدة نواحي من التعلم في سياق واحد، وهنا يجرنا الحديث عن المدرسة الدامجة كحاضن لهذه الرؤية الإصلاحية، والضامنة لحق الولوج العادل والمنصف للتعليم، والتي لا يستقيم دورها إلا باتخاذ إجراءات بيداغوجية تنطلق من الاحتياجات الخاصة للأطفال المعاقين وخصوصياتهم، وتضمن لهم طرقا ديداكتيكية ناجعة، مع الدفع بتجديد المنهاج الدراسي، وتكييف العادات التعليمية مع متطلبات التلاميذ من ذوي الإعاقة، والنظر في أدوار كل الفاعلين وتكوينهم، للوصول إلى أقصى ما يمكن الوصول إليه من إمكانات لدى الفئة المستهدفة، ضمانا لمشاركتهم الكاملة في الحياة المدرسية، على اعتبارها تمرينا مجتمعيا يرمي لتأهيل الناشئة على قبول الاختلاف، والتطبيع مع الإعاقة والمعاقين، على اعتبارها مكون أساسي للمجتمع.

إلا أن البرنامج الوطني للتربية الدامجة، لم تهيئ بيئة تنزيله بشكل كامل بعد، وبالتالي المزيد من التكريس للأنماط التعليمية السالف ذكرها.

 

المصدر:

يوسف سحمود

بتصرف


هل كان المقال مساعدا؟

الإبلاغ عن خطأ؟ تقرير الآن.

ابحث عن إجابات لجميع أسئلتك في المنتدى