Skip to Content Skip to Mainnavigation Skip to Meta Navigation Skip to Footer
Skip to Content Skip to Mainnavigation Skip to Meta Navigation Skip to Footer

قصة قصيرة: المسخ

أثناء ولادتي إلتف الحبل السري حول عنقي، فانقطع الأكسجين عن جسدي الصغير، ولولا عناية الله لاختنقت في اللحظات الأولى من قدومي لهذا العالم

هكذا أخبرتني أمي حين سألتها عن سبب إصابتي بإعاقة ذهنية أثرت على مستوى تركيزي وتحصيلي الدراسي، فنقص الأكسجين أدى إلى تدمير بعض الخلايا العصبية في المخ، لم أعد أنمو كما ينمو أقراني، مصاب أنا بالتقزم ايضاً،  قال الأطباء أنه لا علاج لي، وأني مضطر للتأقلم مع هذه الإعاقة مدى حياتي التي يرجحون بأنها ليست طويلة.

 

منذ صغري كنت مختلفًا عن إخوتي، لم تكن مدرستي تشبه مدرستهم، ولا كتبي مثل كتبهم، ولا لباسي مثل لباسهم،  كنت مختلفًا في كل شيء ، كان أخي الأصغر يناديني بالقزم، وأختي الكبرى تنعتني بالمخيف، هم يظنون أنني لم أكن على دراية و لا وعي بما يقولون، فأنا في نظرهم مختل عقليًا وقزم وظهري محدب.

 

حتى أمي كانت تخفيني عن أنظار صديقاتها إذا أتين لزيارتها، كانت تأتي بأخي وأختي ليلقوا التحية على الضيوف، وأنا أراقب كل ذلك من خلف جدار يفصلني عن ضيوف والدتي كأنني مسجون في قبو ، ولأن الجميع يراني مخيفا، فقد بت على قناعة تامة بأني كما أبدو لهم، حتى أصبحت أتخيل نفسي بأنني أقضم قدم أخي، أو أنتزع قلب أختي، أو ألتهم أصابع أقدامهم إن أخروجها من تحت غطائهم، أو أنني ذلك الوحش الأحدب الذي يداهمهم أثناء استحمامهم ليغرس أنيابه في أعناقهم.

 

 جعلتني أيضًا أطير بجناحين وأنيابي تبرز من بين فكيّ، أقذف كرات النار على ضيوف والدتي فتحترق ملابسهم ورؤوسهم،  ليهرعوا لمغادرة بيتنا لتعود إلي مرة أخرى حريتي، وتنتهي فترة سجني مقيدًا في غرفتي التعيسة المظلمة.

 

 كنت أضحك لما يدور في مخيلتي، ثم أجهش بالبكاء لأني أحاسَبُ على ذنب لم تقترفه يدي.

 

حتى جاءت دارين، تلك الطفلة الشقية التي كسرت القيود وتسللت إلى غرفتي، أخبرها أخي بأن في هذه الغرفة وحش مفترس، أما أختي فقد كانت أكثر رفقًا في وصفي . فأخبرتها أني فقط أحدب مخيف.

 

دارين امتلكت قلب أسد في جسد طفلة صغيرة لم يتعد عمرها وقتها السبع سنين، غافلت الجميع وولجت بجسدها الصغير إلى داخل غرفتي، لم تخف، ولم تفزع عندما رأتني، بل ضحكت، وقالت : أنت تبدو وسيمًا للغاية.

 

لم أنس قطعة الحلوى التي أخرجتها من جيبها في معطفها الأحمر ذو الفرو الكثيف، ثم قضمت نصفها، ومدت لي بيدها الصغيرة النصف الآخر، و قالت فلتأكلها إذن.

 

كانت هذه المرة الأولى التي أتذوق فيها الحلوى، كانت تمتلك مذاقًا مختلفًا عن ذلك الطعام المتكرر الذي أتناوله، كوصفة طبية قررها الطبيب لي طيلة عمري حتى أبقى على قيد الحياة، ففوق علتي، علة أخرى تكمن في معدتي. ألم أقل لكم أني مختلف عن الآخرين.

 

تمردت وقتها على طعام أمي المعتاد، وقلت لها لقد تناولت الحلوى ولم أمت، ورآني الآخرون ولم يخافوا، وتحدثت إلي دارين ولم أكن مختلا ولا وحشًا إلتهم أحشائها.

 

قررت ألا أحبس في غرفتي بعد اليوم، رفضت ذلك القيد الذي كم قيدوني به خشية أن يراني الآخرون، امتنعت عن الطعام المر الذي اعتدت على تناوله كي لا أمت، وقررت أن أتناول طعامهم، حتى لو كان في ذلك هلاكي، الحقيقة أنا لست حيًا، فما قيمة بقائي إذن بينهم ؟! أنا فقط أتنفس، وهذا ما كان يميزني عن سكان العالم الخالد. ... الراقدون.

 

مرت سنوات كثيرة، تخرجت من الجامعة، لم أعد أهتم لما يدور حولي من ضحكات، وهمز ولمز وغمزات، لم أعد أهتم لأمر هؤلاء الصبية الذين ينعتونني  بالقزم أو بالأحدب، كنت مقتنعًا تمامًا أنني وسيم، هذا ما أخبرتني به دارين، وهي لا تكذب.

 

حتى جاء اليوم الذي قررت فيه الزواج، سألت أمي عن دارين، فعقدت ما بين حاجبيها وقالت : وما شأنك بها ؟  قلت يا أماه أود خطبتها، هي الإنسانة  الوحيدة التي رأتني وسيمًا، هي قالت لي ذلك، وأنا أصدقها.

 

لكن دارين رفضت الزواج مني، سمعتها وهي تخبر أمي بأنني أحدب وقزم، وأنها تحلم بالزواج من شاب وسيم، ثم رحلت دون أن تودعني.

 

حينها أدركت أنني لم أكن وسيمًا، وأني كما قال إخوتي مجرد كائن مخيف، فقدت ثقتي التي حملتني إلى الجامعة، ثم إلى العمل مع والدي، ثم إلى قيادة سيارتي بنفسي، في لحظة واحدة  فقدت تلك الكلمة التي أعادتني إلى الحياة بعد أن كنت ميتًا.

 

وها أنا أكتب إلى دارين آخر سطور في حياتي...

 

أتدرين يا دارين كم أحبك؟

 

بالقدر الذي كرهتك فيه حين اخترتِ الرحيل.

 

واليوم أنا بريء من كل شعور تجاهك.

 

أنتِ اللاشيء بالنسبة لي.

 

حتى يدي التي كانت ترتعش إن لامست أطراف أصابعك.

 

أصبحت باردة لا حياة فيها شأنها شأن قلبي الذي قتلتيه قبل رحيلك.

 

لقد مت بعد أن أدركت أنكِ كباقي العالم ... تكذبين.

 

فيا عزيزتي ! أنا لم أعد حياً.

 

 

      كتابة : ياسمينة اشويقار 


هل كان المقال مساعدا؟

الإبلاغ عن خطأ؟ تقرير الآن.

ابحث عن إجابات لجميع أسئلتك في المنتدى